منطلقات الإعلام الغربي المعاصر

Publié le par association noumidia

* عبدالستار جواد
تتجلى منطلقات الإعلام الغربي في طبيعة العلاقة بين هذا الإعلام والواقع الثقافي والسياسي الذي ينطلق من معطياته واتجاهاته. فإذا كان الإعلام هو ظل السياسة ومرآتها العاكسة، كما يقال، فإن السياسة الغربية على وجه العموم هي من عطاء ذلك الواقع الثقافي والاجتماعي والإقتصادي الذي تعمل فيه، بمعنى آخر، يمكن القول بأن الثقافة الغربية التي تشكلت عبر العصور من نتاج الحضارة الأوروبية الثقافي، تشكل القاعدة التي ينطلق منها الجهد الإعلامي الغربي أو العملية الإعلامية التي تعالج قضايا ومواقف وأحداثاً مختلفة في ضوء تقاليدها المهنية ومصالحها الذاتية والعامة.
وفي الأوساط الثقافية في بريطانيا مثلاً، هناك مقولة مشهورة تجسد المنطلق الأساسي لوسائل الإعلام في بريطانيا. وقد جاء في هذه المقولة: "إنك لا تستطيع أن تفهم الإعلام البريطاني ما لم تفهم الرأسمالية البريطانية".
ويتضح مضمون هذه المقولة في الشركات الاحتكارية الإعلامية الكبرى التي تمتلك القسم الأعظم من وسائل الإعلام من صحف ومجلات ومحطات إذاعية وتلفزيونية وشبكات أنباء، علماً بأن حفنة من بارونات الصحافة (Media Barons) من أمثال روبت مردوخ وماكسويل وهيرست وغيرهم، هي التي تمتلك هذه الشركات التي تمتلك بدورها مجموعات الصحف في بريطانيا والولايات المتحدة، وهما البلدان اللذان يقودان العملية الإعلامية الغربية بسبب وجود أكبر عدد من الصحف ووكالات الأبناء وأقمار الاتصالات الصناعية فيهما.
فإذا كان في بريطانيا ست شركات إعلامية تمتلك معظم صحف شارع الصحافة (Fleet Street)، فإن في الولايات المتحدة خمسين شركة تمتلك معظم وسائل الإعلام في الولايات المتحدة التي بلغ ما تستخدمه من هواتف مدينة نيويورك وحدها رقماً يفوق ما تستخدمه القارة الأفريقية برمتها.
ولما كانت الدول الغربية الصناعية والولايات المتحدة هي التي تمتلك تقانة الاتصالات الحديثة وكبريات الصحف ووكالات الأنباء وشبكات الأخبار الإذاعية والتلفزيونية، فإنها بذلك أصبحت تسيطر على عملية تدفق الأخبار والمعلومات من طرف واحد.
وظلت دول العالم الثالث تمارس دور المتلقي وحسب لأنها لا تمتلك وسائل الإعلام الكبرى ولا تقنياتها، ولا حتى جمهورها، ذلك أن أولويات الدول النامية تختلف عنها في الدول الصناعية ولا سيما في ما يخص وسائل الإعلام وحرية الصحافة.
من هنا أخذت الأصوات تتعالى في الدول النامية تدعو إلى ضرورة تحقيق توازن في تدفق الأخبار والمعلومات، إلا أن هذا التوازن غير ممكن في الوقت الحاضر على الأقل، وذلك راجع إلى إختلاف الأنظمة الإعلامية في هذه البلدان وافتقارها إلى وسائل إعلام حديثة ومجتمعات متطورة إقتصاديا وإجتماعياً وثقافياً وسياسياً، بحيث يتحقق التوازن في مستويات التطور بين المجتمع ووسائل إعلامه.
إن عملية التدفق الحر في الأخبار والمعلومات التي يمارسها الغرب الصناعي اليوم تحمل في طياتها تهديدات ومخاطر جدية على الثقافات الوطنية في دول العالم الثالث. إن سيل المعلومات والبرامج والمواد الإعلامية وغيرها التي تبث من وسائل الإعلام الغربية ليل نهار تحمل معها قيماً حضارية وثقافية وأساليب للحياة لا تنسجم إلى حد كبير، بل تتناقض في كثير من الأحيان مع القيم السائدة في الدول النامية.
بل إن الأمر قد تعدى الدول النامية إلى صراع ثقافي داخل الدول الغربية، وإلا كيف نفسر قول رئيس وزراء فرنسا بأن أفلام هوليوود تهدد الثقافة الفرنسية، وقد وصفها آلن جوبيه وزير الخارجية بأنها قبائل متوحشة زاحفة لابتلاع الحضارة الغربية.
هذا بالنسبة إلى دولة صناعية غربية، فكيف هي الحال في دول حديثة النشأة وما زالت تتلمس سبيلها في الحياة ولها أولوياتها في التنمية الإقتصادية والاجتماعية والثقافية؟
إن الغرب، من جهة أخرى، ينظر إلى المعلومات والأخبار الصادرة من دول العالم الثالث على أنها أخبار معدة من قبل الأجهزة الرسمية، وبشكل يخدم الأنظمة الحاكمة وأولوياتها. ولذلك فإن المعلومات والأخبار الصادرة عن الغرب تمر بأشكال صارمة من الرقابات، وهي محكومة بجملة عوامل نابعة من قيم العالم الثالث الذي تسوده أنظمة ذات حزب واحد، على حد قول منظري الثقافة الغربية. ومن جملة هذه العوامل التي تتحكم بأخبار الغرب:





إن غالبية الدول في العالم الثالث تستخدم أسلوباً واحداً في السيطرة على مضمون وسائل الإعلام فيها، وبعضها يستخدم الرقابة المسبقة على الموضوعات الحساسة، وبعض الحكومات تستخدم الرقابة المباشرة. وفي بعض أقطار العالم الثالث تتحدد القيم الإخبارية في ضوء الاعتبارات الإقليمية سياسياً وثقافياً.
وفي هذا السياق يمكن القول بأن لوسائل الإعلام في المنطقة العربية معاييرها الإعلامية الخاصة، حيث تأخذ بنظر الاعتبار الخلفيات الثقافية والسياسة والاجتماعية لجمهورها وتعطي ذلك أهمية كبيرة. وحين يحدد حراس البوابة (Gatekeepers) الإطار العالم الايديولوجي والاجتماعي والديني للجمهور، يصبح من السهل عندئذ اختيار الموضوعات التي تناسبهم.
كما أن الجمهور في آسيا يتلقى ويقرأ الأخبار المبثة باللغة الانكليزية أكثر من الأقطار التي لا تتكلم الانكليزية كلغة أم. فضلاً عن أن الكثير من الصحفيين الإعلاميين في آسيا يلتقون تعليمهم في الغرب. ولذلك فالتأثيرات الغربية والثقافة الآسيوية تتداخل وتؤثر في عملية التعامل مع الأخبار والمعلومات.
لقد وجد الكثير من دول العالم الثالث أن ليس أمامه خيارات، ذلك أن وكالات الأنباء الغربية الكبرى قد تمكنت إلى حد كبير من صياغة أسلوب عرض الخبر في هذه الدول على غرار أسلوبها وحددت القيم الإخبارية لوسائل الإعلام، فأصبح الاعتماد المباشر على هذه الوكالات مصدراً أساسياً في الحصول على أخبار العالم. ولهذه الحال بالتأكيد انعكاساتها على الواقع الثقافي والاجتماعي والسياسي، هذا الواقع المحكوم بما يضخ إليه من معلومات وأخبار وطريقة تقديمها وما تنطوي عليه من مضامين.
لقد أدت وسائل الإعلام الغربية وما زالت تؤدي دوراً كبيراً في نشر الثقافة الغربية واتجاهات الحياة العامة في الأقطار الأوروبية والولايات المتحدة، وقد أخذ دور هذه الوسائل الإعلامية يتزايد وتشتد فاعليته بشكل يتناسب مع التقدم التقني في مجالات الصناعات الإعلامية.
وقد شهدت السنوات الأخيرة منعطفات حادة في أثر الإعلام الحديث في توجيه الأحداث وتغيير مواقف الرأي العالم الدولي بأساليب مختلفة.
لقد وحدت دول التحالف سياساتها الخارجية إزاء العراق وأسست مكاتب دعائية اضطلعت بمهمة إيصال رأي الحكومات الأوروبية إلى وسائل الإعلام، إلا أن العلاقة بين أمريكا وبريطانيا وفرنسا قد تميزت بالإذعان لقيادة الولايات المتحدة في المجالات العسكرية والسياسية والإعلامية.
إلا أن علاقة بريطانيا بالولايات المتحدة كانت مؤشراً واضحاً على قوة التحالف والتنسيق في المواقف بينهما، بشكل استدعى إلى الأذهان النزاعات السكسونية التي تربط بين البلدين ووشائج اللغة والعرق والدين والتراث. وليس صعباً إدراك طبيعة العلاقة الخاصة بين بريطانيا والولايات المتحدة، ذلك أن بين الدولتين تحالفاً خاصاً في مجالات الإعلام يطلق عليه "التحالف الخاص"، وبموجبه يتم تنسيق مواقف الدولتين في القضايا السياسية والإعلامية والاستخبارية، ولا سيما أيام الأزمات.
إن قوة تأثير وسائل الإعلام الغربية نابعة من التخطيط الدقيق والإمساك بخيوط الرأي العام ومعرفة اتجاهاته وكيفية استمالته أو مخاطبته في مراحل تطور الأحداث. وقد زاد من قوة تأثير الإعلام الغربي ضعف التخطيط الإعلامي السياسي المقابل.
من هنا نرى من المفيد طرح النقاط الآتية التي قد تساعد في معالجة الموقف السياسي الإعلامي ودفعه باتجاه فاعل:












بقي أن نقول بأنه لابد للمخطط الإعلامي المسؤول من رسم استراتيجيا مضادة قائمة على استيعاب العملية الإعلامية التي تضطلع بها الولايات المتحدة وأوروبا وطبيعة النظام العالمي الجديد.
إن الإعلام الناجح القادر على إقناع الرأي العام في الداخل والخارج، هو ذلك الذي يسعى لتنوير الرأي العام بطبيعة الأحداث، ويقدم تفسيرات متوازنة لها، ويزيد من وعي الجماهير وقدرتها على فهم الأحداث. إن إعلاماً كهذا لا بد من أن يستند إلى أسس علمية من التخطيط الإعلامي الدقيق القائم على استقراء قدرات أجهزة الإعلام الحالية وإدراك طاقتها وإلغاء عيوبها القديمة. فالإعلام الناجح قائم على فهم الثابت والمتحول في العمل الإعلامي مع القدرة الفائقة على معرفة حساب الاحتمالات. وفي أوقات الأزمات يكون هذا الإعلام في أمسّ الحاجة إلى التخطيط للحملات الإعلامية الهادفة إلى مخاطبة الرأي العام وإحداث الأثر المطلوب فيه.
كما أن مهمة الإعلام تتعدى عملية نقل اتجاهات الرأي العام وحسب، لتشمل كذلك عملية صنع الرأي العام، وإلا ستكون أجهزة الإعلام بمثابة حمام الزاجل الذي تقتصر مهمته على نقل الرسائل من طرف إلى آخر
1- العوامل الايديولوجية. 2- العوامل السياسية. 3- العوامل الاجتماعية والاقتصادية. 4- العوامل الديمغرافية. 5- الواقع الثقافي. 1- على الدولة أن تقوم بعملية تقييم حقيقي موضوعي لخصائص سياستها. 2- إلغاء العيوب القديمة في أجهزة الإعلام. 3- حتى لا تتيه الدولة في متاهات تخطيط إعلامي غير دقيق فإن عليها أن تستوعب أصول الرأي العام العالمي وخيوطه. 4- التخطيط الإعلامي يتغير بحسب مقتضيات الأحوال والأحداث وظهور مكتشفات جديدة. 5- التعاون التام بين وزارتي الخارجية والإعلام. 6- من المفروض أن ينجح التخطيط الإعلامي في خلق رأي عام عالمي مستعد لقبول سياسة الدولة. 7- قد يقوم التخطيط الإعلامي على توجيه ضربات متلاحقة إلى النقاط الضعيفة في السياسة أو الدول. 8- الإنسان مغرم بالتطور والتجديد، فتكرار القديم سيضيق الخناق على الجمهور ويدفعه إلى تصديق الأكاذيب. 9- لا يوجد رأي أو إعلام قادر على إقناع جميع شعوب العالم. 10- يجب أن يكون التخطيط قادراً على خلق شعور وتفكير جديدين يمدان سياسة الدولة بما تحتاجه لمتابعة استرتيجيتها. 11- الإعلام السياسي يحتاج إلى أعين يقظة تجعل عملية الدعاية ملائمة للتحول السياسي. 12- مهمة التخطيط الإعلامي هي دعم معلومات وأخبار وأجهزة الإعلام بما يؤكد صحتها..

Publié dans Actualités

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article